من ذلك ماأخرجه الحافظ ابن عساكر من خبر عمر المخزومي قال: نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة , فلما اجتمع الناس صعد المنبر , فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على نبيه – عليه الصلاة والسلام – ثم قال : أيها الناس لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم, فيقبضن لي القبضة من التمر أو الزبيب , فأظل يومي , وأي يوم , ثم نزل , فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : ياأمير المؤمنين مازدت على أن قميت نفسك – يعني عبت, فقال: ويحك يا ابن عوف , إني خلوت فحدثتني نفسي قالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك ؟ فأردت أن أعرفها نفسها ( ) .
فهذا السلوك قد جرى أيضًا من صحابة آخرين , وهذا شاهد على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحاسبون أنفسهم حتى على الخطرات , وأنهم يحافظون على مستوى إيمانهم , فيسعون إلى زيادته بالطاعات , ويَحذرون من نقصه بالمخالفات , حتى لو كان ذلك من هواجس النفس التي لم يترتب عليها عمل .
إنهم أطباء القلوب الماهرون في علاج أمراضها , ولما كان الإعجاب بالنفس من الأمراض الخطيرة فإن علاجه عندهم هو محاولة إذلال النفس أمام الناس ليكون المؤمن بريئا حتى من الهواجس وإيحاءات الضمير .
فلله دَرُّهُم ما أدق ملاحظاتهم !!
وما أقدرهم على كبح جماح نفوسهم !!
وفي هذا المعنى أخرج الحافظ ابن عساكر أيضًا من خبر سعيد بن المسيب قال: حج عمر فلما كان بَضَجْنَان قال: لا إله إلا الله العلي العظيم المعطي ماشاء لمن شاء , كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف , وكان فظّا , يتعبني إذا عملت , ويضربني إذا قصّرت, وقد أمسيت ليس بيني وبين الله أحد , ثم تمثل :
لاشـيء مما ترى تبقى بشاشته يبـقى الإله ويُودي المال والولد
لم تغن عن هرمز يومًا خـزائنه والخلدَ قد حاولتْ عاد فماخلدوا
ولاسليمان إذ تجري الـرياح له والأنـس والجن فيمـا بينهم بُرُدُ
أين الملوك التي كـانت نواهلها من كـل أَوْب إليها راكب يفدُ
حوض هنالك مورود بلا كذب لابد من ورده يومًا كما وردوا( )
فهذا مثل من تواضع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وشكره لله تعالى, حيث ذكر ماضيه يوم أن كان راعي إبل ثم أصبح راعي أعظم أمة على وجه الأرض , وقد تمثل بهذه الأبيات الشعرية التي تُذكِّر بعدم الخلود لشيء في هذه الحياة الدنيا مهمابلغ من الرفعة والقوة , وإن في ذلك لعبرة وذكرى لصاحب العقل السليم , حتى لايغتر بما لديه من جاه وقوة , فإن مصير ذلك إلى الزوال .
ومن ذلك ما أخرجه المؤرخ عمر بن شبَّة النميري من خبر نُعيم بن هزّال رضي الله عنه قال قال عمر رضي الله عنه : تجدُ الرجل يلبس الصوف لو ظُلم ما انتصر وإنَّ قلبه في ذلك لمملوء كبرًا وإعجابًا , وإنك لتجد الرجل يتجمل في ثيابه وفي كثير من أمره وإن في قلبه الخشوع والتواضع , وذلك أملك التواضع بالعبد( ) .
ففي هذا الخبر بيان أهمية التواضع , وأن الحكم على الناس ينبغي أن يكون منطلقًا من أخلاقهم وأعمالهم , لا من مجرد مظاهر النسك والعبادة فيهم , فالعبادة إذا أثمرت التخلق بالغرور والإعجابَ بالنفس والتكبر على الخلق ولم تثمر التخلق بالتواضع والاستقامة في السلوك فإنها عبادة ينقصها الخشوع وحضور القلب مع الله تعالى .
إن من أهم فوائد الشعائر التعبدية أنها تربي المسلم في الدنيا على استقامة السلوك والتخلق بمكارم الأخلاق , وتوصل في الآخرة إلى رضوان الله جل وعلا ورفعة الدرجات في الجنة , فإذا كانت تؤدي إلى مساوئ الأخلاق , من الغرور والكبر والإعجاب بالنفس فإن صاحبها قد خسر خسرانًا مبينا وظلم نفسه ظلما كبيرًا .
ومن أمثلة تواضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشكره لنعمة الله تعالى ماأخرجه الحافظ ابن عساكر من خبر قتادة السدوسي قال: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة صوف مرقوعة , بعضها بأدم( ) , ويطوف الأسواق على عاتقه الدرة( ) يؤدب الناس بها , ويمر بالنكث( ) والنوى فيلتقطه , ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا بذلك( ) .
من مواقف عثمان رضي الله عنه :
ذكر الحافظ ابن عساكر من خبر عبد الله الرومي قال : كان عثمان بن عفان يأخذ وضوءه لنفسه إذا قام من الليل , فقيل له : لو أمرت الخادم فكفتْك ! قال: لا,الليل لهم يستريحون فيه( ) .
فهذا مثل من اتصاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بالرحمة , فهو مع كبر سنه وعلو منـزلته الاجتماعية يخدم نفسه في الليل ولايوقظ الخدم , وإن وجود الخدم من تسخير الله تعالى للمخدومين , وإن مما ينبغي للمسلم الذي سخر الله تعالى له من يخدمه أن يتذكر أن الخادم إنسان مثله له طاقة محدودة في العمل , وله مشاعر وأحاسيس فينبغي له أن يراعي مشاعره, وأن ييسر له الراحة الكاملة في النوم , وأن لايشق عليه بعمل .
فهذا السلوك قد جرى أيضًا من صحابة آخرين , وهذا شاهد على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحاسبون أنفسهم حتى على الخطرات , وأنهم يحافظون على مستوى إيمانهم , فيسعون إلى زيادته بالطاعات , ويَحذرون من نقصه بالمخالفات , حتى لو كان ذلك من هواجس النفس التي لم يترتب عليها عمل .
إنهم أطباء القلوب الماهرون في علاج أمراضها , ولما كان الإعجاب بالنفس من الأمراض الخطيرة فإن علاجه عندهم هو محاولة إذلال النفس أمام الناس ليكون المؤمن بريئا حتى من الهواجس وإيحاءات الضمير .
فلله دَرُّهُم ما أدق ملاحظاتهم !!
وما أقدرهم على كبح جماح نفوسهم !!
وفي هذا المعنى أخرج الحافظ ابن عساكر أيضًا من خبر سعيد بن المسيب قال: حج عمر فلما كان بَضَجْنَان قال: لا إله إلا الله العلي العظيم المعطي ماشاء لمن شاء , كنت أرعى إبل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف , وكان فظّا , يتعبني إذا عملت , ويضربني إذا قصّرت, وقد أمسيت ليس بيني وبين الله أحد , ثم تمثل :
لاشـيء مما ترى تبقى بشاشته يبـقى الإله ويُودي المال والولد
لم تغن عن هرمز يومًا خـزائنه والخلدَ قد حاولتْ عاد فماخلدوا
ولاسليمان إذ تجري الـرياح له والأنـس والجن فيمـا بينهم بُرُدُ
أين الملوك التي كـانت نواهلها من كـل أَوْب إليها راكب يفدُ
حوض هنالك مورود بلا كذب لابد من ورده يومًا كما وردوا( )
فهذا مثل من تواضع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وشكره لله تعالى, حيث ذكر ماضيه يوم أن كان راعي إبل ثم أصبح راعي أعظم أمة على وجه الأرض , وقد تمثل بهذه الأبيات الشعرية التي تُذكِّر بعدم الخلود لشيء في هذه الحياة الدنيا مهمابلغ من الرفعة والقوة , وإن في ذلك لعبرة وذكرى لصاحب العقل السليم , حتى لايغتر بما لديه من جاه وقوة , فإن مصير ذلك إلى الزوال .
ومن ذلك ما أخرجه المؤرخ عمر بن شبَّة النميري من خبر نُعيم بن هزّال رضي الله عنه قال قال عمر رضي الله عنه : تجدُ الرجل يلبس الصوف لو ظُلم ما انتصر وإنَّ قلبه في ذلك لمملوء كبرًا وإعجابًا , وإنك لتجد الرجل يتجمل في ثيابه وفي كثير من أمره وإن في قلبه الخشوع والتواضع , وذلك أملك التواضع بالعبد( ) .
ففي هذا الخبر بيان أهمية التواضع , وأن الحكم على الناس ينبغي أن يكون منطلقًا من أخلاقهم وأعمالهم , لا من مجرد مظاهر النسك والعبادة فيهم , فالعبادة إذا أثمرت التخلق بالغرور والإعجابَ بالنفس والتكبر على الخلق ولم تثمر التخلق بالتواضع والاستقامة في السلوك فإنها عبادة ينقصها الخشوع وحضور القلب مع الله تعالى .
إن من أهم فوائد الشعائر التعبدية أنها تربي المسلم في الدنيا على استقامة السلوك والتخلق بمكارم الأخلاق , وتوصل في الآخرة إلى رضوان الله جل وعلا ورفعة الدرجات في الجنة , فإذا كانت تؤدي إلى مساوئ الأخلاق , من الغرور والكبر والإعجاب بالنفس فإن صاحبها قد خسر خسرانًا مبينا وظلم نفسه ظلما كبيرًا .
ومن أمثلة تواضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشكره لنعمة الله تعالى ماأخرجه الحافظ ابن عساكر من خبر قتادة السدوسي قال: كان عمر بن الخطاب يلبس وهو أمير المؤمنين جبة صوف مرقوعة , بعضها بأدم( ) , ويطوف الأسواق على عاتقه الدرة( ) يؤدب الناس بها , ويمر بالنكث( ) والنوى فيلتقطه , ويلقيه في منازل الناس لينتفعوا بذلك( ) .
من مواقف عثمان رضي الله عنه :
ذكر الحافظ ابن عساكر من خبر عبد الله الرومي قال : كان عثمان بن عفان يأخذ وضوءه لنفسه إذا قام من الليل , فقيل له : لو أمرت الخادم فكفتْك ! قال: لا,الليل لهم يستريحون فيه( ) .
فهذا مثل من اتصاف أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه بالرحمة , فهو مع كبر سنه وعلو منـزلته الاجتماعية يخدم نفسه في الليل ولايوقظ الخدم , وإن وجود الخدم من تسخير الله تعالى للمخدومين , وإن مما ينبغي للمسلم الذي سخر الله تعالى له من يخدمه أن يتذكر أن الخادم إنسان مثله له طاقة محدودة في العمل , وله مشاعر وأحاسيس فينبغي له أن يراعي مشاعره, وأن ييسر له الراحة الكاملة في النوم , وأن لايشق عليه بعمل .