منتديات المرقاب نت



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات المرقاب نت

منتديات المرقاب نت

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات المرقاب نت

مجموعات Google
اشتراك في مجموعة المرقاب نت
البريد الإلكتروني:
زيارة هذه المجموعة

دخول

لقد نسيت كلمة السر

احصائيات

أعضاؤنا قدموا 319 مساهمة في هذا المنتدى في 148 موضوع

هذا المنتدى يتوفر على 28 عُضو.

آخر عُضو مُسجل هو AL_TARAF فمرحباً به.

المتواجدون الآن ؟

ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر

لا أحد


[ مُعاينة اللائحة بأكملها ]


أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 165 بتاريخ الأحد أكتوبر 27, 2024 11:58 pm

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

    قصة لم يؤلفها بشر

    صاحب الإمتياز
    صاحب الإمتياز
    المشرف العام
    المشرف العام


    ذكر عدد الرسائل : 117
    العمر : 33
    الموقع : السعودية
    العمل/الترفيه : طالب جامعي
    علم دولتك : قصة لم يؤلفها بشر Saudi_aC
    المزاج : قصة لم يؤلفها بشر Anafar10
    الأوسمة : قصة لم يؤلفها بشر Jzoqn7zeja
    السيرة : 6
    نقاط : 12146
    تاريخ التسجيل : 03/02/2009

    قصة لم يؤلفها بشر Empty قصة لم يؤلفها بشر

    مُساهمة من طرف صاحب الإمتياز الأحد فبراير 15, 2009 6:24 am

    قصة كاملة ....لم يؤلفها بشر
    منقولة على لسان : علي الطنطاوي
    جدة
    دار المنارة
    1425 ه 2004 - م
    كنت أسرد في الذكریات أحداث حیاتي ، فقال قوم : هلا نوعت الأسالیب وذكرت ما مر بك من وقائع
    الناس ، ولم تقصر حدیثك على نفسك ، فجربت أن أصنع ما قالوا ، فسردت خبر واقعتین ، عندي من
    أمثالهما الكثیر ، فأعجب بهما جل القارئین ، وقال ناس : إنها ممتعة ، ولكنها لیست ذكریات .
    قلت : ولِمَ لا تكون من الذكریات ؟ وهل الذكریات إلا ما وقع لي أنا ، وما رأیت وما سمعت به أو
    قرأته ، ولقد قرأت في هذه السنین التي عشتها من القصص الأدبیة ، وقصص المغامرات وما
    یسمونه : ( القصص البولیسیة ) ما لا یحصیه عد ، وعملت فترة من عمري – نحو سنة 1930 م –
    في الصحافة ناقدا مسرحیا ، أشهد الروایة ، أو أرى الفلم في السینما ، فألخصه وأنقده ، وعندي بقیة
    مما كتبت في ذلك منشورة تملأ كتابا صغیرا .
    ولكني لن أعرض في الذكریات لشيء منه بل ألخص وقائع أغرب من القصص ، ما ألفها أدیب
    قصصي ، ولا عمل فیها خیال روائي ، بل ألفتها الحیاة ، فجاءت بأحداثها ومصادفاتها ، وبدایاتها ،
    وخواتیمها ، أبلغ مما ألف القصاص من الأدباء ، هذه التي أعرض بعضها في هذه الذكریات ، وما
    تخیلت أحداثها تخیلا ، ولكن أخذت ما وقع فصغته بقلمي هذه الصیاغة التي ترونها . وإنكم لتحسبون
    من إحكامها وترابط أجزائها ، أنها منقولة عن أهل الخیال من الأدباء ، وأنا أؤكد لمن لم یصدقني
    منكم بأنها واقعة .
    ومن الوقائع ما هو أغرب من الخیال .
    1986 م في جریدة /11 / كِنت ذاهبا إلى بیروت من أكثر من أربعین سنة ( نشرت هذه في 27
    الشرق الأوسط ) في سیارة صغیرة ، لصدیق لي ، فلما جاوزنا شتورا وبدأنا نتسلق الجبل ، مرت
    بجنبنا سیارة " شیفرولیت " من المقیاس الواسع ، جدیدة مسرعة ، فمشینا وراءها ، وإذا هي تسابق
    السیارات ، كلما رأت سیارة أسرعت حتى تسبقها ، فیصیح من فیها ویضحكون ویصفقون ، فلما
    رأینا ذلك تأخرنا عنها ، ولكننا لبثنا نراها ، حتى إذا وصلت إلى المنعطف الكبیر ، حیث یمشي
    الطریق على شفیر الوادي ، یشرف على سهل البقاع ، رأیناها تحاول أن تسبق سیارة صهریج كبیرة
    من التي تنقل البنزین ، ضخمة كلها من الحدید ، وكانت ترید أن تدور ، فلم تنتظر السیارة الصغیرة
    دورانها ، بل زاحمتها ومرت من جنبها ، فمال الصهریج علیها ، فصدمها ، فلم نرها إلا وهي ساقطة
    في الوادي ، تتدحرج كأنها كرة قذفتها قدما غلام ، فدهشنا ووقفنا سیارتنا ووقفت السیارات المارة
    كلها ، ونزلنا نرى فلم نصل إلیها إلا بعد ربع ساعة ، فوجدنا أطفالا ثلاثة وبنتا في نحو التاسعة قد
    أصابتهم خدوش وجروح ولكنهم أحیاء ، ووجدنا فتاة شابة إلى جنب السیارة قد أصابها الإغماء ولكن
    یبدو أنها سلیمة ، أما باقي الركاب فقد صاروا عجینة واحدة ، منظر من أفظع المناظر التي یمكن أن
    تراها العین ، قد اختلط فیها اللحم والعظم ، منظر لم أر مثله إلا مرة أخرى سنة 1970 م في الطریق
    الدولي في ألمانیا ، عند ( دوسلدورف ) – إذ تمشي السیارات في المسرى الأیسر من الطریق بسرعة
    تزید دائما عن المائة والخمسین كیلا ، فإذا وقفت واحدة منها فجأة ، لم تستطع التي وراءها أن تقف
    فیكون هذا الصدام الهائل – فأسعفنا الأولاد ولم نمس شیئا حتى تصل النجدة التي ذهبت إحدى
    السیارات لطلبها من المریجات على طرف الوادي ، وسرعان ما حضر المحقق والطبیب والشرطة ،
    وجعل الناس ینصرفون یتابعون طریقهم ، ووقفت مع المحقق وكنت یومئذ من رجال القضاء ،
    فاستمعت أول التحقیق وأمسكت بطرف الخیط . فلما رجعت إلى دمشق ، تتبعت بقیة القصة واطلعت
    على الأوراق ، وجمعت الخیوط كلها ، حتى عرفت القصة كاملة ، فقلت : لا إله إلا الله ، ما أعظم
    عدالتك یا رب ؟ !
    ووجدت قصة فیها عبرة من أعظم العبر ، فكتبتها وتركتها بین أوراقي ، حتى جئت الیوم أقلب هذه
    الأوراق القدیمة فوجدتها ، فقلت : أحدثكم حدیثها .
    كانت بنتا جمیلة ، وكان أبوها واسع النعمة ، مبسوط الید ، فنشًأها على الدلال ، وعلى أن تتمنى فتنال
    ، وأن تطلب فتعطى .
    فلما بلغت السابعة عشرة خطبت ، فاعتل أبوها بصغرها ، فقال أبو الخاطب : ألا ترضى أن أجعلها
    مني بمثابة ابنتي ، وأن أسكنها معي في داري ، فتكون أبدا في سمعي وبصري ؟
    قال : بلى .
    وعقد العقد ، ووصاها أبوها حین زفها إلى زوجها ، أن تكون لحمیها – أي لوالد زوجها – بنتا لیكون
    لها أبا ، وأن تمنحه التوقیر والطاعة ، لیخلص لها الرعایة والحب ، وأن تجعل حماتها كأمها ، وأن
    تثق بها ، ولا تكذب علیها ولا تخالف أمرها .
    ولم تكن تحتاج إلى هذه الوصاة لأنه كان لها من طبیعتها ، ومن أسلوب نشأتها ، ما یدفعها إلى
    الصدق والاستقامة ، ویمنعها من الانحراف والكذب .
    وعاشت معهم ، وكانوا أربعة في الدار :
    الزوج ، وهو شاب رضي الخلق صادق الحب یرید لها الخیر والإسعاد ، ولكنه لا یملك مع أبیه في
    الدكان عطاء ولا منعا ، ولا مع أمه في الدار أمرا ولا نهیا .
    وعمة الزوج ، وهي عجوز عانس سعیدة في ظاهرها ، ولكنها شقیة في حقیقتها ، فهي لهذا تحسد كل
    بنت متزوجة سعیدة في زواجها ، وتتمنى زوال نعمتها عنها .
    وأم الزوج ، وهي امرأة بخیلة شحیحة العین ، مقبوضة الكف ، ربها الدینار ، ودینها جمع المال ،
    ودستورها ادخار الدرهم الأبیض للیوم الأسود ، ثم إنها تظن أن الأرض كفت عن الدوران ، وأنه
    وقف الزمان ، وأن سنة 1920 م بعاداتها وأزیائها یمكن أن تجيء في سنة 1947 م – سنة وقعت
    هذه الواقعة – فإذا هي لم تجئ معها ، أفرغت غیظها على بنات هذا الجیل الجدید ، وترحمت على
    جیلها وزمانها .


    عدل سابقا من قبل صاحب الإمتياز في الأحد فبراير 15, 2009 6:25 am عدل 1 مرات
    صاحب الإمتياز
    صاحب الإمتياز
    المشرف العام
    المشرف العام


    ذكر عدد الرسائل : 117
    العمر : 33
    الموقع : السعودية
    العمل/الترفيه : طالب جامعي
    علم دولتك : قصة لم يؤلفها بشر Saudi_aC
    المزاج : قصة لم يؤلفها بشر Anafar10
    الأوسمة : قصة لم يؤلفها بشر Jzoqn7zeja
    السيرة : 6
    نقاط : 12146
    تاريخ التسجيل : 03/02/2009

    قصة لم يؤلفها بشر Empty رد: قصة لم يؤلفها بشر

    مُساهمة من طرف صاحب الإمتياز الأحد فبراير 15, 2009 6:25 am

    والرابع أبو الزوج ، وهو رجل شدید الأسر ، سلیط اللسان ، ولكنه إذا قابل امرأته كلّ لسانه ، ولان
    ساعده ، ولم یكن له مع رأیها رأي ، ولا مع سلطانها سلطان .
    وعملوا بدستور المرأة وادخروا ، وكثرت في أیدیهم الدراهم البیض ، والدنانیر الصفر ، والأوراق
    الملونة المنقوشة ، ودفاتر الصكوك – الشیكات – وأسناد العمارات ، فاحتفظوا بها كلها ، خوفا من
    الیوم الأسود.
    ولم یأت الیوم الأسود ولكنهم جعلوا أیامهم كلها من خوفهم سوداء ، كمن كان عنده الطعام الكثیر
    فخاف أن یأكل فینفد فیجوع بعده ، فجوّع نفسه العمر كله ، خوفا من أن یجوع یوما واحدا .
    وكانت في بیت أبیها تجد الطعام أمامها ، من الخبز إلى أفخر الحلوى ، ومن الفاكهة إلى النقل
    والسكاكر ، وكان أبوها إذا وجد منها ومن إخوتها عزوفا عن الطعام ، جعل لهم على الأكل جُعْلا ،
    أي مكافأة لیرغبهم فیه .
    فلما جاءت بیت زوجها وجدت إقلالا من كل شيء ، إن جاؤوا یوما بعلبة حلوى ، حفظوها في
    الخزانة ، وأقفلوا علیها كأنما هي علبة جوهر ، وإن هم وضعوها بین أیدي الضیوف وضعوا عیونهم
    علیها ، وقلوهم معها ، لا یمدون أیدیهم إلیها ، لعل الضیف تقصر یده عنها .
    وكانت قطع اللحم في بیت أبیها أكثر من حبات الفاصولیا مثلا ، فوجدت اللحم عندهم أخفى من نجم
    السها ، فهو لا یرى إلا بالمجهر الكهربي ( الإلكتروني ) .
    وكانت الفاكهة توضع في بیت أبیها على المائدة ، فمن شاء أكل ، فوجدت ظهور الفاكهة هنا أندر من
    ظهور قرص الشمس في بلاد الإنكلیز ، وإن هم شروها ؛ فإنما یشترون منها الرخیص الفاسد الذي لا
    یؤكل .
    فتألمت لذلك ولكنها ما تكلمت ، وكانت قلیلة الطعام ، شبعانة العین ، فلم تبال .
    وكانت مدللة لا تشتغل ؛ لأن في بیت أبیها خادمتین ، فكلفت هنا خدمت الأسرة كلها ، یكومون لها
    كومة الصحون الوسخة ، ویدخلون لیسمروا وتبقى هي في المطبخ لتغسلها ، لا یسمحون لها من أن
    تسخن الماء ، خوفا من كلفة التسخین ، فكانت أصابعها تحمر من الماء البارد في الشتاء القاسي ، فإذا
    دخلت وجدت المدفأة مطفأة توفیرا للنقود ، وخوفا من الیوم الأسود .
    فتشققت یداها ، واسودت أظافرها ، واجتمع علیها من نقص الغذاء وزیادة التعب ، وفقد الاطمئنان
    والعطف ، فذهبت صحتها وذاب جسمها .
    وكان زوجها یحبها ویبتغي الخیر لها ، وكان مستقیم السیرة ، متین الدین ، فلم یكن ینظر إلى غیرها
    ، أو یفكر في سواها ، ولكنه لم یكن یستطیع أن یبدي حبه إیاها ، وعطفه علیها لأن هذه العیون الست
    كانت أبدا مفتحة علیه ناظرة إلیه ، مراقبة حركاته وسكناته ، لاسیما عینا عمته العجوز العانس ،
    الحاسدة الحاقدة ، التي لم تعرف یوما حب الزوج ، وسعادة الزواج ، فهي ترید أن تنتقم لنفسها من
    المجتمع ، بحرمان هذه الفتاة من الحب والسعادة ، فكانت تلازمها دائما ، لا تفارقها لحظة ، وكانت
    لها ولزوجها أشد من الرقیب للمحب ، والعزول للعاشق ، وكانت أكبر من أخیها سنا ، وكانت
    كالمربیة للزوج في صغره ، فاتخذت لنفسها حق النصح له في كبره فكانت تنخر أبدا في قلبه نخر
    السوس ، إن رأته منح زوجته بسمة ، أو رقق لها كلمة ، عاتبته وقالت : أنت یا ولدي صغیر لا
    تعرف النساء ، إن المرأة إن رأت من زوجها ضعفا ركبته ركوبا ، ولم تعد تطع له أمرا . وإن رأته
    أطال الخلوة بها ، وسوست له وسواس الشیطان ، ووضعت في قلبه جراثیم الكره لها ، كما تضع
    الجراثیم بذور المرض في جسم الصحیح ، حتى كادت تكرهه بها ، فتبدلت سیرته معها ، فصار
    یتأخر عن العودة في المساء ، وإن عاد عاد مقطبا ، لا لذنب منها ، بل لما وسوست له شیطانته –
    أي : عمته – من أن إظهار الشدة للزوجة من حسن السیاسة ، ومن فضل العقل . وكانت تنتظره حتى
    یجيء فلا یشكرها ولكنه یلومها ویستقبح عملها ، وإن هو أطال السهرة لیلة فغلبها النوم جاءته
    الشیطانة – أي : العمة – فقالت : أرأیت كیف تهملك ولا تبالي بك ؟ ولا تنتظرك كما تنتظر الزوجات
    رجالهن ؟ فزادت نقمته علیها .
    وكانت البنت تحاول أن تشكو إلى أبیها ، أو أن تخبر أمها ، فلا تستطیع أن تنفرد بهما ؛ لأنهم لا
    یدعونها تذهب إلى أهلها وحدها ، لا تذهب إلا ومعها زوجها أو معها هذه العمة التي تظهر لها – من
    مكرها – أمام أهلها أشد الحب ، وأكثر الحنو ، وإذا رأوها هزیلة وسألوها ؛ قالت : إنها لا
    تأكل ..عجزنا عن إقناعها بوجوب الغذاء ، فیصدق أهلها.
    وكانت البنت تكتم ألمها في نفسها ، لا تجد من تشكو إلیه ، فتنفرد في غرفتها تبكي وحدها حتى تبلل
    بدموعها وسادتها ، ثم تنام ، وكان معجّل مهرها عشرة آلاف لیرة سوریة ومؤجله مثل ذلك ، وكان
    ذلك مبلغا ضخما جدا ، وكان أبوها لسماحة نفسه ، وكرم یده ، لا یفكر بالمال ، فكتب المهر في صك
    الزواج ، ولم یطالب به ، ثم زاد فجهز بنته من ماله، جهازا ضخما یلیق مثله ببنات الملوك .
    ولم یرض أهل الزوج أولا بهذا المهر ، ولكن الوالد أصر فكتبوه مرغمین ، وهم یرسمون الخطط
    الشیطانیة للخلاص منه، إذ كانوا یحاسبون على ( الفرنك ) ویموتون على ( اللیرة ) ، أفیدفعون هذا
    المبلغ كله مهرا للبنت ؟ وسلكوا إلى إزعاجها كل طریق ، من الإعراض عنها وإهمالها ، إن تكلمت
    لم یصغوا إلیها ، وإن سألت لم یجیبوها ، وإن قعدت تستریح شغلوها ، وكلفوها بأعمال الدار كلها ،
    یقترون علیها بالطعام أو یحدثون لها عند كل أكلة ما یزعجها حتى تقوم عن المائدة ویستعملون
    جهازها في استقبال ضیوفهم ، ویتخذونه لقعودهم ، ویعملون على إفساده عمدا .
    وكان مقصدهم الأول أن یتخلصوا من المهر ، یقدّرون أن إزعاجها یضیق صدرها ، وینفد صبرها
    فیدفعها إلى طلب المخالعة ، ولكن المسكینة لم تكن تدري ما المخالعة ، ولم تسمع بها ، وكانت تتقبل
    ما كتب علیها صابرة لا مفزع لها إلا دمعها .
    ثم وسوست إلیهم الشیطانة ، فبیتوا أمرا ، فبدلوا معاملتها فجأة ، وصاروا یخصونها بالرعایة ،
    ویلینون لها القول ، ویقومون عنها ببعض أعمال الدار ، ویمدحونها بأنها هي المتعلمة الكاتبة القارئة
    ، ولم یكن في العادة یطرق بابهم طارق ، لأنهم – لبخلهم – لا یزورون أحدا أبدا ، لئلا یزورهم
    فیكلفهم ثمن الضیافة ، فصار بابهم یطرق كل یوم ، یطرقه موزعو البرید برسائل مسجلة ، فكانوا
    یجیئونها بالوصل لتمضیه ؛ لأنها هي الكاتبة القارئة وكل من في الدار أمیات ؛ فكانت تسر بذلك
    وتفرح .
    صاحب الإمتياز
    صاحب الإمتياز
    المشرف العام
    المشرف العام


    ذكر عدد الرسائل : 117
    العمر : 33
    الموقع : السعودية
    العمل/الترفيه : طالب جامعي
    علم دولتك : قصة لم يؤلفها بشر Saudi_aC
    المزاج : قصة لم يؤلفها بشر Anafar10
    الأوسمة : قصة لم يؤلفها بشر Jzoqn7zeja
    السيرة : 6
    نقاط : 12146
    تاريخ التسجيل : 03/02/2009

    قصة لم يؤلفها بشر Empty رد: قصة لم يؤلفها بشر

    مُساهمة من طرف صاحب الإمتياز الأحد فبراير 15, 2009 6:26 am

    وكانت یوما في المطبخ ویدها في جلي الصحون ، فسمعت قرع الباب ، فجاءت العمة مسرعة ،
    قالت : خذي الله یرضى علیك إمض هنا ، قالت : ألا ترین یدي في الصابون ، انتظري حتى أغسلها
    وأقرأ ما في الورق ، فقالت لها : الرجل على الباب ، إمض وبعد ذلك تقرئین ما فیها ، وماذا یكون
    فیها ؟ إنه إیصال برید كغیره من الإیصالات .
    فمسحت یدها وأخذت الورقة ، وكانت مثنیة ما یظهر ما فیها ، فوقعت حیث أشاروا إلیها .
    وساءت معاملتهم إیاها فجأة ، كما حسنت فجأة ، وعادوا أفظع عما كانوا علیه ، وشاركهم زوجها
    وانقلب معهم علیها ، وكانت حاملا في شهرها الأخیر ، فأرادوا أن یتخلصوا من تكالیف الولادة
    فطردوها ، فذهبت إلى بیت أبیها .
    وعجب لما رآها داخلة علیه ، وأسرع یلومها ، ویقول لها : ما هذا العمل ، ومتى كان الحرد من
    شمائلنا ؟ وأیدته أمها، لأنهما لم یكونا یعرفان شیئا من حال أحمائها ، فانطلقت تبكي بكاء موجعا ،
    یقطع القلوب ، وتقص علیهما قصتها من خلال دموعها .
    وطیب أبوها خاطرها ، وأولاها من قلبه ومن ماله ، ما ضمد جراحها ، وفتحت لها أمها صدرها ،
    ومشت الوسائط بین الفریقین ، فإذا بیت الأحماء یقلبون لها ظهر المجن ، ویجاهرون بالعداوة ،
    ویكشفون عن حقیقتهم التي كانوا یخفونها وراء ستار التصنع والنفاق ، فیئس أهل البنت ، وطلبوا أن
    یطلقها الزوج ویؤدي إلیها حقوقها ، ویرد علیها جهازها .
    قالوا : هیهات ! حقوقها وصلت إلیها لقد قبضت مهرها كله ، معجله ومؤجله وسند القبض بأیدینا ،
    أما الجهاز فهو لنا نحن اشتریناه .
    وكانت قصة الجهاز أن بیت الأحماء من مكرهم قد عرضوا على الأب أن یتولوا هم شراء الجهاز
    واختیاره ، ورضي أبو البنت ، فاشتروه وهو الذي دفع الثمن ولكن كانت ورقة الإیصال بأسمائهم
    وكانت بأیدیهم .
    وأما المهر فإن الورقة التي جاؤوا بها إلیها لتمضیها ، وزعموا أنها وصل البرید ، كانت سندا
    بوصول المبلغ إلیها ، وكانت قصة رسائل البرید التي ترد كل یوم قصة مصطنعة اتخذوها تمهیدا لما
    أرادوه وبیتوه .
    وأقیمت الدعوى ووكل أبو البنت محامیا قدیرا ، ودفع له أجرا وفیرا ، وبذل له المحامي جهده ، وكان
    القاضي من قضاة العدل . ولكنهم عجزوا عن الإثبات ، فطلبوا تحلیف الیمین كذبا وبهتانا ، وخسرت
    البنت دعواها ، خرجت بلا زوج ولا مهر ولا جهاز ، ما بقي معها إلا ابنتها التي ولدتها .
    وجاء المحامي یرید أن یأذنوا له بإقامة الدعوى الجزائیة للیمین الكاذبة . فقال الأب : لا أرید ، قال
    المحامي : لِمَ لا ترید ؟ قال : أما رأیت كیف ضاع حقنا ؟ قال : ما ضاع لتقصیر في الدفاع ، ولا
    لمیل من القاضي عن الحق ، بل لأن القضاء البشري إنما یحكم بالبینات الظاهرة ، ولا یستطیع أن
    ینفذ إلى الحقائق ؛ ولذلك یخطئ القاضي حینا ، ویصیب حینا ، والرسول صلى الله علیه وسلم وهو
    أعدل قاض في تاریخ البشریة كلها ، قال : " إنكم لتحتكمون إلي ، ولعل أحدكما ألحن بحجته من
    صاحبه – أي : أقدر على الدفاع – فأقضي له ، فإنما أقضي له بقطعة من النار " .
    والقضاة ما عندهم إلا الأوراق والشهود والأیمان ، وقد تزّور الأوراق ، وقد یكذب الشهود ، وقد
    تفجر الیمین ، والله وحده هو الذي یعرف المحق من المبطل دائما ، قال الأب : ولذلك فإني أقیم
    الدعوى علیه عند الله .
    ومرت الأیام ، وكانت الأم تجد أنسها ببنتها ، جعلتها هي حظها من دنیاها ، وقنعت بها ، ووقفت
    نفسها علیها ، وبلغت البنت التاسعة فجاء الأب یطلبها .
    وكان قد تزوج من بعدها ورزق بولدین ، فتجددت للأم المسكینة أحزانها كلها ، وعادت مأساتها التي
    حسبتها قد طواها النسیان ، وأصبحت تشعر بأن فراق روحها أهون علیها من فراق ابنتها .
    لقد جعلت هذه البنت دنیاها ، فماذا یبقى لها إن فقدتها ؟ وصارت لا تستطیع فراقها لحظة ، وكلما
    رأتها ضمتها إلیها ، وبكت البنت بین ساعدیها وبكى كل من رآهما ، وجاء یوم المحاكمة وصدر
    الحكم بتسلیم البنت إلى أبیها .
    أخذ الأب البنت ، وأراد أهله مبالغة في الكید والانتقام ، أن یخرجوا إلى النزهة لیفرحوا في یوم مأساة
    الأم ، ویضحكوا في یوم بكائها ، وكانت له سیارة اشتراها على معارضة من أبیه فأخذ أباه وأمه
    وعمته وزوجته الجدیدة وبنته الأولى التي أخذها من أمها وسافر إلى لبنان .
    وكان حدیثهم طول الطریق عن الزوجة الأولى ( أم البنت ) والسخریة بها ، والبنت المسكینة تسمع ،
    لا یدركهم خوف الله فیكفوا عن غیبة الغائبة ، وظلم البریئة ، ولا رحمة الإنسان فیرعوا عواطف هذه
    الطفلة التي انتزعوها من أمها .
    وبلغ بهم الكبر والجبروت الغایة ، فكان من فرحه بظفره یسابق السیارات ، فكلما رأى سیارة أمامه
    أسرع حتى یسبقها ، فرأى ذلك الصهریج ، فقالوا له : قف حتى یمر ، قال : لا ، إني أسبقه إلى
    المنعطف ، وقد صارت لي خبرة للخلاص من المآزق ، أما تخلصت من تلك المرأة فأخرجتها یدا من
    الوراء ویدا من الأمام ، بلا مال ولا جهاز ، ثم نزعت منها ابنتها ؟ وقهقه ضاحكا ، وكان قد صار
    بجنب الصهریج ، ووقعت المأساة...
    مال الصهریج كما عرفتم على سیارته ، كما یمیل الفیل على شاة صغیرة ، فرمى بها إلى الوادي ،
    فتحطمت ، أما الركاب ، فإن الزوج والأب والأم والعمة قد صاروا عجینة واحدة اختلط لحمها
    بعظمها ، والزوجة الجدیدة والأولاد الذین لا ذنب لهم خرجوا سالمین ، ما أصابهم كبیر أذى لأنهم
    أبریاء ما اشتركوا في الجریمة ، أما الذین اشتركوا فیها ، وأقام علیهم أبو البنت المظلومة الدعوى في
    محكمة الله ؛ فكان هذا مصیرهم!!
    ومن لم یلق مثله في الدنیا ؛ فلیعلم أنه ینتظره عند الله ما هو أشد وأكبر !
    انتهت

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 9:09 pm